يأخذنا كمال رمزي الى محطات مهمة من مسيرة الفنان أحمد مظهر في مجال السينما، والبدايات كما يرويها في كتابه نجوم السينما لاقت بعض الصعوبات بحكم عمله في القوات المسلحة، فعندما بدأ أحمد مظهر يعمل في مجال السينما.. وبالتحديد عندما شرع في اداء دور «البرنس» في «رد قلبي» لعز الدين ذو الفقار عام 1957، رفض عبدالحكيم عامر الاذن له.. وكان المحتمل ان يتخلى عن السينما ويظل في الجيش، لكن فيما يبدو ان خلافات عميقة دبت بينه وبين وزير الحربية حينذاك، جعلته يفضل الاستقالة من منصبه الكبير ويتفرغ تماما للتمثيل.
بدأ أحمد مظهر نشاطه السينمائي بأداء دور أحد الفرسان الذين يقفون في معسكر الشر.. ففي أول فيلم ظهر فيه «ظهور الاسلام» المأخوذ عن قصة «الوعد الحق» لطه حسين، والذي اخرجه ابراهيم عز الدين 1951 قام بدور عمرو بن هشام، المقاتل الشرس، ضد الدعوة الاسلامية.. واستطاع الفيلم، من خلال حضور أحمد مظهر القوي، ووجهه الصلب، واجادته لركوب الخيل واللعب بالسيف، ان يبرز مدى العناء الذي واجهته الدعوة في سنواتها الأولى. سمات الرجولة، وقوة العزيمة، والصلابة، والاستعداد للنزال، مواصفات توافرت في أحمد مظهر، ودفعت بيوسف شاهين الى ان يسند اليه دور البطولة أمام ماجدة، في «جميلة الجزائرية» 1958، حيث انتقل «الفارس» الى معسكر الحق، والخير، فأصبح مقاتلا في سبيل حرية وطنه، ضد الاستعمار. وفي عام 1961، أي قبل «الناصر صلاح الدين» بسنتين، ادى أحمد مظهر دور «قطز» المحارب العظيم ضد التتار في «واإسلاماه» المأخوذ عن رواية «علي أحمد باكثير» والذي أخرجه اندرو مارتون.. وكان دوره هنا بمثابة بروفة أخيرة لدوره المهم في «الناصر صلاح الدين».
في المشاهد الأولى من «الناصر صلاح الدين» يطالعنا أحمد مظهر بشكل، وبطريقة تختلف عن الصورة التي الفناها «للفارس».. والتي جسدها مثلا، سراج منير، ببنيانه الضخم، وصوته الجهوري، في «عنتر وعبلة» لنيازي مصطفى 1945 و«مغامرات عنتر وعبلة» لصلاح ابو سيف 1948 و«أبو زيد الهلالي» لعز الدين ذو الفقار 1947 أو يحيى شاهين بوجهه العربي القوي، وادائه الخطابي الحماسي، في «راوية» لنيازي مصطفى 1946، و«سلطانة الصحراء» لنيازي مصطفى ,1947. أو أنور وجدي، بحركته السريعة واسلوبه الصاخب، في «امير الانتقام» لبركات 1950.
قدم أحمد مظهر اكثر من مئة فيلم.. بدت شخصيته القوية واضحة خلف كافة الأقنعة.. سواء كانت الشخصية التي يؤديها ذات طابع نبيل، مثل شخصية الطبيب المخلص، البالغ الشهامة، في «اخر من يعلم» لكمال عطية 1959، او الضابط الوطني القوي الارادة في «نور الليل» لريمون نصور 1959، و«عمالقة البحار» للسيد بدير 1960، او الثوري صاحب المبدأ في «الشحات» لحسام الدين مصطفى 1973، او مدرب الملاكمة الصلب الذي يقف وراء تقدم وانتصارات بطله في «النمر الاسود» لعاطف سالم ,1984. او سواء كانت الشخصية ذات طابع شرير، مثل دوره كزير نساء دون جوان يتمتع ببصمة خاصة، كما هي الحال في «دعاء الكروان» لبركات 1959، أو الباشا الذي يخفي تحت مظهره المحترم، خفوتا شديدا في حسه الاخلاقي في «القاهرة 30» لصلاح أبو سيف 1966 والذي يتاجر في لحم أبناء الوطن في «شفيقة ومتولي» لعلي بدرخان 1978.
واذا كان أحمد مظهر، بحكم ملامحه وتكوينه الجسماني، وصوته، قد تخصص في أدوار ذوي الحيثيات: المحارب، الطبيب، الباشا، الاديب، الارستقراطي، فانه في فيلم «لوعة الحب» لصلاح ابو سيف 1960، يفاجئنا بدور سائق قطار، يتميز بمزاج سيئ، حاد الطباع، خشن التصرفات.. وبلمسات مرهفة، يعبر بدقة وبساطة، عن الغثيان وانقباضات معدته، نتيجة لأنواع الخمور الرديئة التي يعبها.. وها هو يترنح، بلا مغالاة، ويبدو ـ أنه شأن كل سكير ـ مهيأ للانفعال العاصف والشجار.. لكن زوجته المطيعة، لا تتيح له فرصة العراك، وعلى طول الفيلم، يكشف لنا أحمد مظهر باقتدار، عن رقة مستترة، تتجلى في نظرة ولمسة يد، فضلا عن شعور دفين بالمحبة والحنان تتجسد في غضبه عندما يعرف ان شظية زجاج جرحت ساق زوجته ـ شادية ـ والأهم: تلك الثقة النبيلة التي يتمتع بها، ليس في نفسه فحسب، بل ثقة في زوجته من ناحية، وثقة في مساعده ـ عمر الشريف ـ من ناحية اخرى.. وهي الثقة ذات السحر القوي التي تنهي علاقة الحب المندلعة بين الزوجة والصديق. هنا تبرز موهبة أحمد مظهر كممثل يستطيع أن يجعلنا نرى المناطق الصافية في النفس الانسانية تحت السطح المتكدر وتضيف قيمة أخرى لرصيده الذي حققه في العديد من الأدوار التي جعلته ـ بحق ـ من أهم نجوم السينما العربية.