في يوليو القادم ، تمر علينا الذكرى الخامسة عشرة لوفاة الفنان الكبير رشدى أباظة . ففي السابع والعشرون من يوليو عام 1980 أغمض رشدي أباظة عينيه الى الأبد ، وإنسحب في هدوء ومعه آلام هائلة عاشها وصارعها وإحتملها ، حتى كف القلب عن الخفقان . وسوف يكون مشوار هذا الفنان الشخصي والفني هو محور حديثنا في مقالنا هذا الأسبوع والأسابيع القليلة القادمة . ولنبدأ الحلقة الأولى من حديثنا هذا .
ولد رشدي أباظة بالقاهرة في الثاني من أغسطس عام 1927 ، من أب مصري ( سعيد أباظة ) كان يعمل ضابطاً في الشرطة وتدرج في المناصب حتى وصل الى رتبة لواء .. ومن أم إيطالية ( ليلى جورجنجينو ) . وقد تلقى رشدي تعليمه في مدرستي »سان مارك« بالإسكندرية ومدرسة »الفرير« بالقاهرة . وبعد حصوله على شهادة التوجيهية إلتحق بكلية الطيران ، ولكنه لم يحتمل حياة العسكرية ، فإنتقل ـ بعد ثلاث سنوات ـ الى كلية التجارة ، التي لم يستمر فيها طويلاً . كان رشدي أباظة شاباً مشاغباً ، ولم يكن ذلك التلميذ الصالح الذي يمكن الرهان على نجاحه في الدراسة ، بالرغم من أنه كان يتقن اللغة الإيطالية التي تعلمها من والدته ، واللغات الإنجليزية الفرنسية والألمانية والأسبانية ، فضلاً عن العربية . وهو في هذه السن أحب رشدي أباظة ممارسة الرياضة ، والتدريب على رياضة الملاكمة وكمال الأجسام ، ليبني له جسماً يدافع به عن نفسه أولاً ، ولكي يلفت إليه نظر الحسناوات ثانياً .
وتمر الأيام ، ويحدث أن يشاهد المخرج ( كمال بركات ) رشدي أباظة وهو يلعب البلياردو في أحد صالات القاهرة . فبدأ يتفحصه ، حيث وجد فيه الفتى الوجيه المتمتع بشعر أسود لامع يتهدل على حبهته وهو ينحني على منضدة البلياردو ، وفيما يبدو أن طلعته الأرستقراطية لاقت هوى عند هذا المخرج .. بينما راح رشدي يتوجس شراً من هذه النظرات ، حتى إعتقد بأن خناقة حامية ستنشب ، لولا أن تقدم منه كمال بركات ، وقال له : هل تحب أن تعمل في السينما ؟ لم يكن رشدي أباظة قد تجاوز العشرين من عمره إلا قليلاً ، عندما وقع عقداً بتمثيل دوره في فيلم ( المليونيرة الصغيرة ) عام 1948 أمام الفنانة فاتن حمامة والراقصة لولا صدقي التي وقع في حبها فيما بعد ، وكان أجره في الفيلم مائة وخمسين جنيهاً صرفها كلها على ملابسه . وهكذا شهد فيلم ( المليونيرة الصغيرة ) ميلاد إمبراطور السينما المصرية .
بعد فيلم ( المليونيرة الصغيرة ) ، طرق الحظ باب رشدي مرتين ، مرة عندما إختاره المخرج الإيطالي »اليسندريني« لبطولة فيلم ( أمنية ) أمام الإيطالية »آسيا نوريس« ، والمرة الثانية عندما إتصل به المخرج الإيطالي »فرنتشو« المقيم في مصر ، يدعوه للقيام بدور البطولة في فيلم ( إمرأة من نار ) أمام النجمة المشهورة آنذاك »كاميليا« ، وهي المرأة التي دخلت قلب رشدي أباظة فيما بعد ، حيث عاشا قصة حب كانت نهايتها بوفات كاميليا في حادث الطائرة المعروف للجميع . هذا الحادث الذي جعل رشدي أباظة يستسلم للمرض ، وظل الأطباء لمدة ثلاثة أيام يعطونه الحقن المهدئة والمنومة ، فقد كان يصحو وهو يبكي وينام وهو يبكي على كاميليا التي فقدها مبكراً .
وبالمناسبة ، فإن رشدي أباظة قد نال شهرة كبيرة في دنيا المغامرات الغرامية ، كـ»دون جوان«مغامر لا يشق له غبار ، وكانت أخباره الغرامية تغطي على أخباره كبطل رياضي ونجم سينمائي . فقد كانت المرأة هي شغله الشاغل في الحياة . وكان لا يكتفي بواحدة ، بل كان يريد أن يقتني مجموعة من النساء في وقت واحد ، ليضارب بإحداهن الأخرى .
لقد أمضى رشدي أباظة طفولته وصباه بين الريف والمدينة .. بين قرية »كفر أباظة« في الزقازيق ، وبين حي »شبرا« في القاهرة . فشب رشدي متحلياً بأخلاق أقرانه أبناء الريف وأهل البلد المشهورين بالفتوة والجدعنة ، وكان يلعب مع رفاقه الكرة الشراب والمصارعة والملاكمة ، وكثيراً ما كانت تلك الألعاب تنتهي بالمشاجرات والخناقات ، التي يصول فيها ويجول بالبطش باللاعبين . كان منذ طفولته شيطاناً صغيراً غاية في الشقاوة ، وكانت المرأة وراء مشاجرات الفتى الشقي ، إن كان في كفر أباظة أو في حي شبرا . فقد كان يحب فتاتين في وقت واحد ، الأولى ريفية ساذجة والثانية بنت بلد عصرية ، وكان كلما تشاجر مع أبناء الجيران ، يلفت نظرهما إليه بقوة عضلاته ، فيكيل اللكمات بكل قوة في وجه خصمه ، فينتزع بذلك إعجاب الفتاتين .
كان الفنان رشدي أباظة كالأمير الصغير ، جذاب الملامح وسيم القسمات رشيق القوام أنيق الهندام ، يثير الشغب في كل مكان يذهب إليه ، فلم يكن فتى كفر أباظة وحي شبرا فحسب ، وإنما كان ـ أيضاً ـ فتى مدرستي »الفرير« و »سان مارك« ، حيث كان يثير إهتمام زميلاته في المدرسة اللواتي كن في مثل سنه من الشقراوات والسمراوات . وفي المدرستين إستوعب المشرفون على النشاط الرياضي فيهما قدراته القتالية ، فمارس الكثير من الألعاب الخفيفة والثقيلة ، كالجمباز والسباحة والملاكمة والمصارعة وحمل الأثقال . أما كرة القدم ، فكان فيها كابتن الفريق في المدرستين . ويكفي أن نقول بأنه قد أحرز المركز الثالث في بطولة مصر لكمال الأجسام عام 1953. فهل كان هذا كله في سبيل أشباع هواياته الرياضية وإستقلال طاقاته البدنية ، أم كان في سبيل تحقيق ذاته من أجل الشهرة كفارس في الملاعب لينال تصفيق الجماهير ، ومن بينهم ـ طبعاً ـ الجنس اللطيف ، الذي شغف به وكان شغله الشاغل في الحياة .
لقد كان رشدي أباظة حسياً لا يعرف الحب الروحي ، في علاقاته مع المرأة . وكانت تسيطر عليه الرغبة في الإمتلاك . كانت المرأة هي ميدانه الذي يصول فيه ويجول ، وكان يهيىء نفسه منذ حداثته ليحمل لقب »الدون جوان« ، حيث قرأ كل ما كتب عن مغامرات »دون جوان« ، ومذكرات »كازانوفا« ومعبود النساء »فالنتينو« ، وشاهد كل ما قدم عن حياتهم من مسرحيات وأفلام . وتابع أخبار مغامرات الدون جوان المصري »أحمد سالم« ، الذي تأثر به كثيراً ، وتتلمذ على يديه في ميدان المغامرات النسائية ، وكان خليفة له في هذا المجال . فقد أنشأ فيما بعد علاقات مع إثنتين من جميلات السينما المصرية ، وهما »كاميليا« و »تحية كاريوكا« ، كانت الأولى صديقة للإثنين ، بينما كانت الأخرى الزوجة الثالثة لأحمد سالم والأولى في حياة تلميذه النجيب .
بعد قيامه ببطولة فيلمه الأول ( المليونيرة الصغيرة ) كفتى أول ، كان الحقل السينمائي مزدحماً بالنجوم وفنيان الشاشة الأوائل اللامعين في الأربعينات ، أمثال أنور وجدي وعماد حمدي وحسين صدقي ومحمود ذو الفقار ومحسن سركان وأحمد سالم ، ونجوم الجيل الثاني والذي يعد هو منهم ، أمثال كمال الشناوي وشكري سرحان ، ومن بعدهم في الخمسينات أحمد مظهر وعمر الشريف وصلاح ذو الفقار وأحمد رمزي ، إضافة الى نجوم الغناء طبعاً .
ولهذا السبب لم يجد رشدي أباظة له مكاناً بين كل هؤلاء ، فإضطر لترك مكانه في الصف الأول وتوارى في الصفوف الخلفية بين الكومبارس وممثلي الأدوار الثانوية في أكثر من عشرين فيلماً . الى أن أعاد إكتشافه من جديد المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار في فيلمي ( إمرأة في الطريق ) و ( الرجل الثاني ) وهما من أدوار الفتى الشرير . ولكن في الفترة التي سبقت هذين الفيلمين ، إشترك رشدي أباظة ـ بإعتباره يجيد اللغة الإيطالية ـ في فيلم ( الصقر ) ، وهو إنتاج إيطالي/مصري قام بإخراجه صلاح أبو سيف . كما أنه قام بدور البديل للممثل العالمي »روبرت تايلور« في فيلم ( وادي الملوك ) الذي صورت مشاهده بين آثار مصر القديمة ، وكان ذلك عام 1953 . وبعد هذا الفيلم مباشرة ، منحه المخرج »كمال الشيخ« فرصة أخرى في فيلم ( مؤامرة ) .
أما بالنسبة لحياته الخاصة ، فقد تعرف رشدي أباظة على الفنانة تحية كاريوكا التي كانت ذات شخصية قوية وراقصة لامعة ، وهي التى إستطاعت أن تنتشله من حزنه على موت حبيبته كاميليا ، إلا أنه آثر الإبتعاد عنها ، في فترة كان فيها عاطلاً عن العمل . وفي هذه الأثناء تعرف أيضاً على »آني برييه« المغنية الفرنسية التي كانت عشيقة للملك فاروق ، إلا أنه لم يأبه بذلك . وقد أثار هذا غضب الملك ، إلا أنه لم يستطع أن يفعل له شيئاً ، بسبب أن رشدي ينحدر من أسرة تتوزع بين الأحزاب ، ولا يجوز إغضاب هذه الأحزاب ومناصبتها العداء في معركة خاسرة .
بعد مجموعة من الأدوار الثانوية في السينما المصرية ، قرر رشدي أباظة أن يجرب حظه في السينما الإيطالية ، فقام برحلة الى إيطاليا في ربيع عام 1950 إستغرقت سبعة شهور ، عاد منها بعد أن لاحقه الفشل هناك . والغريب من أننا لم نسمع عن أية مغامرات غرامية للدون جوان في تلك الرحلة . ربما أن المغامرات الغرامية لا تعتبر مغامرات في المجتمع الأوروبي .
لقد كان رشدي أباظة ، بسبب المرأة ، يعيش في خطر . فقد تحدى الملك في إنشاء علاقات غرامية مع إثنتين من عشيقاته (كاميليا ـ آني) دون أن يعبأ بالخطر . بل إنه تعرض ، بسبب إحدى مغامراته الغرامية ، الى التهديد بتشويه وجهه بماء النار وهو في التاسعة عشرة . كما أنه تعرض الى أخطر مغامرة كادت تودي بحياته ، وذلك عندما قفز من شرفة بيت الى الشرفة المجاورة في الطابق التاسع من إحدى العمارات ، من أجل مغامرة غرامية أيضاً .
عموماً .. فقد شهدت أشجار الأرز في لبنان قصة غرام المغنية الفرنسية والدون جوان الشاب . وبعد عودتهما الى القاهرة ، صدرت أوامر ملكية بترحيل »آني« فوراً دون أن يراها أحد . وكان إبعاد »آني« مقدمة لدخول رشدي الى قلب تحية كاريوكا . كان رشدي قد إلتقى بتحية مرتين من قبل ، إلا أنه كان مشغولاً بحبه لكاميليا وآني . ثم أنه لم يرد أن يكون عالة على راقصة . وكان قد قرر بعد عودته الى مصر الإتجاه الى الأعمال الحرة ، فإفتتح مطعماً ومحلاً لقطع غيار السيارات وإشترى سيارات أجرة تعمل لحسابه ، وبالتالي أصبح الممثل السينمائي المبتدىء رجل أعمال . لذا كان لقائه الثالث بتحية مواتياً هذه المرة . فما كان منه إلا أن طلب من تحية كاريوكا أن يتزوجها . فكان ما أراد ، وسافر الزوجين في رحلة شهر العسل الى بيروت . وإستمر هذا الزواج عامين فقط ، تخللته بعض الخلافات ، كان رشدي سبباً في أغلبها ، وذلك بسبب مغامراته الغرامية ، خصوصاً بعد لقائه بـ »آني« مرة أخرى في بيروت .
وفي عام 1955 ، بدأ رشدي أباظة مرحلة الأدوار الثانية بدلاً من الأدوار الثاوية . فقدم أفلام بحر الغرام ـ تمر حنة ـ دليلة ـ تجار الموت ـ طريق الأمل ـ جميلة ـ نساء في حياتي ـ رد قلبي ـ أحبك يا حسن . وكانت هذه المرحلة بالنسبة لرشدي هي مرحلة البحث عن الذات ، وقد غلب على أدواره فيها طابع العنف . فقد إستغل المخرجون ضخامة جسمه ومظهر القوة الذي يتميز به ، فإختارو له ثياباً تبرز شعر صدره وأساور من الجلد حول رسغيه تبرز عضلات ذراعيه ، يرفع البراميل والأثقال بيديه القويتين ، وبدى في هذه الأفلام يضرب أكثر مما يمثل . ولكنها كانت مرحلة ضرورية من أجل الإنتشار وكسب الشعبية اللازمة للنجم السينمائي .
أما المخرج عز الدين ذو الفقار ، فقد أثبت للجميع بأن رشدي أباظة يمتلك قدرات هائلة في الأداء ، وذلك من خلال دوره في فيلم ( إمرأة في الطريق ) . فبدا رشدي أباظة نداً لشكري سرحان وهدى سلطان ، وإستطاع أن يقف في ثبات أمام العملاق زكي رستم . وقد فاز رشدي أباظة عن دوره هذا بجائزة الممثل الثاني من الدولة وقدرها 500 جنيه ، وكانت أول وآخر جائزة سينمائية لرشدي أباظة .
وقد نجح فيلم ( إمرأة في الطريق ) نجاحاً كبيراً ، وحقق لرشدي إباظة قفزة جعلته أحد الوجوه الرئيسية في السينما المصرية . وسيطالعنا في العديد من الأفلام التالية بملامح قريبة من دوره في هذا الفيلم .. فهو الرجل القوي ـ جسمانياً ونفسياً ـ المتفجر بالحيوية الممتلىء بالحياة فاتن النساء . وكأمثلة نتذكر أدواره في صراع في النيل ـ بهية ـ خلخال حبيبي ـ صراع في الجبل ـ صراع المحترفين .
وفي العام التالي لفيلم ( إمرأة في الطريق ) ، أسند المخرج عز الدين ذو الفقار بطولة ( الرجل الثاني ) لرشدي أباظة ، حيث منحه الملامح الجديدة المميزة للشخصية الشريرة . في هذا الفيلم تغيرت الصورة التقليدية للرجل الشرير ، فلم تعد غلظة الملامح والسلوك وتشوهات الوجه من شروط المجرم ، بل من الممكن أن يخفي الوجه الملائكي الشفاف والسلوك المهذب أخطر أنواع الشر والميل للعدوان . ففي فيلم ( الرجل الثاني ) جسد رشدي فيه صورة الشر الهاديء والمستتر والذي يعتمد على الذكاء وإستخدان العقل أكثر من إعتماده على القوة .
لقد أدى رشدي أباظة دوره في فيلم ( الرجل الثاني ) ببراعة وإتقان .. كل شيء محسوب بدقة .. البسمة ، اللفتة ، الهمسة ، نظرة العين . لذلك فتح هذا الدور لرشدي باب النجومية على مصراعيه ، وحوله الى دور البطل الأول في الكثير من الأفلام ... خلخال حبيبي ـ ملاك وشيطان ـ لقاء عند الغروب ـ المراهقات ـ صراع في الجبل . وقدم أيضاً أفلاماً كوميدية ناجحة ... الزوجة رقم 13 ـ آه من حواء ـ عروس النيل ـ حلوة وكذابة ـ المجانين في نعيم . كما أنه قدم أفلاماً وطنية في أفلام في بيتنا رجل ـ لا وقت للحب ـ غروب وشروق .
خلال هذه الفترة ، وصل رشدي أباظة الى القمة ، وتربع عليها . بل أنه أصبح فتى الشاشة العربية الأول دون منازع ، بالمقياس الشعبي والفني ، فكانت أفلامه تحقق أعلى الإيرادات . فقد جاء ترتيبه الأول على كل النجوم العرب ، في إستفتاء فني أجرته مجلة »الشبكة« اللبنانية عام 1969، بينما كان ترتيب الفنان عبد الحليم حافظ الثاني من بعده .
كان رشدي يحب تحية كاريوكا حبا كبيراً ، إلا أن حياتهما مع بعض أصبحت مستحيلة . لذا لم يجد إلا الإنخراط في العمل لنسيان هذا الحب ، هذا بالرغم من المحاولات الدؤوبة الغير ناجحة لعودة المياه الى مجاريها . ولأنه لا يستطيع أن يعيش بدون حب أو مغامرة ، فقد تعرف على الأمريكية الشقراء »بربارا« ، زوجة صديقه المطرب العالمي »بوب عزام« ، كانت تعمل مضيفة جوية . لكن رشدي أعجب بها ، فهي من النوع الذي يخلب لب الدون جوان الشاب . فلم يكن صعباً عليه من أن يخصفها من صديقه ، خصوصاً إن حياتها الزوجية كانت مليئة بالخلافات . هذا إضافة الى أن الزوج قد أدرك تلك العلاقة الجديدة ، فخيرها بينه وبين رشدي ، فإختارت بالطبع الفارس الجديد . وبالفعل ، تزوج رشدي بشقرائه الجديدة »بربارا« عام 1956. هذا الزواج الذي أثمر إبنتهما الوحيدة »قسمت« عام 1957 .
كانت الزوجة »بوبي« ، كما كان يناديها دائماً ، غيورة جداً ، وكثيراً ما تنشأ بينهما المشاجرات بسبب تلك الغيرة . ثم أن رشدي ، بالرغم من أنه أصبح أباً ، لم يقلع عن مغامراته الغرامية . كانت بوبي تراقب علاقاته مع زميلاته أثناء العمل ، وتغضب لأنه تحدث الى إحداهنأو عانق أخرى أو قبلها قبلة طويلة بين مشاهد الفيلم . ولم يفعل رشدي شيئاً سوى أن يجعلها صديقة للزميلات . وكان من بين هؤلاء الزميلات إثنتان كانت تغار منهما كثيراً .. هما : سامية جمال ومريم فخر الدين . وحدث أن ضبطته مرة في شقة سامية جمال . ولم يستمر رشدي مع بوبي أربع سنوات ، إلا لوجود الصغيرة قسمت التي أطالت من عمر هذا الزواج . لذا كان الطلاق أخيراً هو الحل ، خصوصاً بعد إكتشاف رشدي بأن بوبي تعيش قصة حب جديدة مع الممثل جمال فارس (إبن عباس فارس) .
والحب الجديد الذي بدأ يتسرب الى وجدان رشدي ، هو حبه لسامية جمال ، والذي بدى جلياً أثناء لقائهما في فيلم (الرجل الثاني) . وإزداد تعلق رشدي بسامية عندما سافرا معاً الى بيروت لحضور العرض الأول لهذا الفيلم . وأحس رشدي بأنه لا يستطيع بالفعل الإستغناء عن هذه المرأة ذات العواطف الشفافة ، فكان الزواج بينهما .
وكانت سامية مؤمنة بأن رشدي فنان كبير وناجح ، وبأنه يجب أن يبقى دائماً محل رعاية الزوجة وإهتمامها . لذا قررت سامية أن تعتزل الرقص والتمثيل ، وتتفرغ لرجل واحد في حياتها هو رشدي أباظة . وقد إستقبل رشدي هذا القرار بإمتنان ، وعرف بأن سامية صاحبة قلب كبير وشفاف ، خصوصاً بعد أن رحبت بفكرة أن تعيش الصغيرة قسمت بينهما ، بدل أن تكون موزعة بين الأم والجدة .
ومع سامية جمال ، كانت قصة أطول زواج في حياة الدون جوان المغامر ، فقد عاشا في شهور عسل مستمرة ، كان خلالها الدون جوان مثالاً للزوج المخلص الأمين ، ولم يعكر صفو سعادتهما سوى إدمان الزوج على الخمر والمخدرات الى درجة فقدان الوعي . ورغم هذا ، فقد كانت الزوجة الوفية تتحمل كل ذلك على أمل أن يثوب الى رشده ويقلع عن الإدمان .
ومضت سفينة الحياة الزوجية بين الدون جوان والراقصة الحسناء التي إعتزلت الفن من أجل سعادة زوجها ، مضت تسير في بحر هاديء ساكن حيناً وثائر عاصف في كثير من الأحيان ، حيث أن الدون جوان لم يلبث أن عاود مغامراته الغرامية ، أثناء إحدى رحلاته الى بيروت . إذ أنه أحب فتاة لبنانية وكاد أن يتورط بالزواج منها ، لولا حكمة الزوجة سامية التي لحقت به هناك وأحبطت هذا الزواج .